من معالم الحج

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنام والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الحج في القرآن والأحاديث

قال الله عزّ وجل: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»(1)

«جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ»(2)

«وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ»(3)

قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله:

«الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»(4)

«الحاجّ والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم»(5)

«العمرة إلى العمرة كفّارة ما بينهما، والحجة المتقبّلة ثوابها الجنة»(6)

قال الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه:

«إن ضيف الله عزّ وجل، رجل حجّ واعتمر، فهو ضيف الله  حتى يرجع إلى منزله»(7)

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله:

«أيّها الناس عليكم بالحج والعمرة، فتابعوا بينهما، فإنهما يغسلان الذنوب كما يغسل الماء الدَّرن، وينفيان الفقر كما تنفي النار خبث الحديث»(8)

الحج من مظاهر العبودية لله عزّ وجل

الحج هو ذلك المؤتمر الإسلامي الكبير، والتظاهرة الإيمانية الرائعة التي تشترك فيها صنوف متعددة من الأجناس، والفئات والطبقات، والقوميات على موعد واحد، وفي أرض واحدة، يرددون هتافاً واحداً، ويمارسون شعاراً واحداً ويتّجهون لغاية واحدة، وهي الإعلان عن العبودية والولاء لله وحده، والتحرر من كل آثار الشرك والجاهلية، بطريقة جماعية حركية، تؤثر في النفس، وتشبع المشاعر والأحاسيس بمستوحيات الإيمان، ومداليل التوحيد.

والحج كما صرّح القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة إلى جانب كونه عبادة وتقرباً إلى الله سبحانه، فإن فيه منافع إجتماعية وفوائد ثقافية، وإقتصادية وسياسية، وتربوية، تساهم في بناء المجتمع الإسلامي، وتزيد في وعيه وتوجيهه، وتساهم في حل مشاكله، وتنشيط مسيرته.

الحج مظهر وحدة المسلمين

ففي الحج يشهد المسلمون: أروع مظاهر المساواة، والتواضع والأخوة الإنسانية، بإلغاء الفوارق والأزياء، وخلع أسباب الظهور الاجتماعي والظهور باللباس العبادي الموحّد، حيث يحس الجميع بوحدة النوع الإنساني وبالأخوة والمساواة.

وفي الحج يستشعر المسلمون وحدة الأرض، ووحدة البشر، فتنهار بينهم الحدود التي صنعتها الأنانيات والأطماع البشرية الإقليمية والقومية والعنصرية كما قال السيد المجدد الإمام محمد الشيرازي: «لا حدود جغرافية في الإسلام»

فهم يقطعون آلاف الأميال، ويخترقون كل حواجز الحدود، ويجتازون كل الموانع التي صنعها الاستعماريون على أرض الله سبحانه وتعالى، استجابة لنداء العقيدة وتلبية لهتاف الإيمان.

وفي الحج يلتقي المسلمون بمؤتمرهم الكبير، فيتذاكرون في شؤونهم، ويتشاورون في أمور حياتهم وعقيدتهم، ويتبادلون الخبرات والتجارب والآراء والعادات الحسنة. ويتعرف بعضهم على مشاكل بعض، ويطلع بعضهم على رأي بعض، ويتعرف بعضهم على أخبار بعضهم الآخر، فيزداد الوعي، وتنمو المعرفة، وتشحذ الهمم من أجل الإصلاح والتغيير والاهتمام بشؤون الأمة والعقيدة، فتخطط المشاريع، ويفكّر في الأعمال، وتؤسس المراكز الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويستعين بعضهم ببعض، وكأنهم جسد واحد، وروح واحدة.

من منافع الحج

والحج تجمع بشري ضخم، يستقطب الملايين من المسلمين، من مختلف الأقطار والأمصار، فهو ينتج حركة بشرية هائلة، يتبعها تحرك اقتصادي ومالي ضخم، عن طريق النقل، والاستهلاك، وحمل البضائع وتبادل النقود، وشراء الأضاحي والحاجيات ومستلزمات الحج والإقامة والسفر فينتفع العديد من المسلمين، ويشهد مجتمعهم حركة اقتصادية ومالية نشطة.

والحج إعداد وتربية لسلوك الفرد ونوازعه، ففيه يتعوّد الحاج الصبر، وتحمل المشاق وحسن الخلق... من اللطف، والتواضع واللين وحسن المحادثة، والكرم والتعاطف، والامتناع عن: الكذب والغيبة والجدال والخصومة والتكبر وغير ذلك. وفيه يتعود الألفة، والتعارف عن طريق السفر والاختلاط فتنمو لديه الروح الاجتماعية وتتهذب ملكاته الأخلاقية، عن طريق هذه الممارسة التربوية، والتفاعل البشري الرائع، الذي يشهده في الحج، بأرقى درجات الالتزام والاستقامة السلوكية.

وقد تحدّث الإمام جعفر بن محمد الصادق سلام الله عليه عن منافع الحج وفوائده، باجابته البليغة على سؤال أحد أصحابه (هشام بن الحكم) سأله ما العلة التي من أجلها كلّف الله سبحانه وتعالى العباد بالحج والطواف بالبيت؟

فقال سلام الله عليه: «إن الله خلق الخلق... – إلى أن قال – وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا ولينزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمال، ولتعرف آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى» (9) .

ويتطابق مع هذا التعليل والتحليل شرح حفيده الإمام علي بن موسى الرضا سلام الله عليه لمنافع الحج وآثاره الاجتماعية التي يجنيها الفرد والمجتمع حين قال: «إنما أُمروا بالحج لعلة الوفادة الى الله عزّ وجل، وطلب الزيادة، والخروج من كل ما اقترف العبد، تائباً مما مضى، مستأنفاً لما يستقبل، مع ما فيه من إخراج الأموال، وتعب الأبدان، والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر النفس عن اللذات، شاخصاً في الحر والبرد، ثابتاً على ذلك دائماً، مع الخضوع والاستكانة والتذلل، مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، لجميع من في شرق الأرض وغربها، ومن في البرّ والبحر ممن يحجّ وممن لم يحجّ، من بين تاجر وجالب وبائع ومشترٍ وكاسب ومسكين ومكار وفقير وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه، مع ما فيه من التفقه، ونقل أخبار الأئمة سلام الله عليهم إلى كل صقع وناحية، كما قال الله عزّ وجل: «فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون»(10)

وهكذا شاء الله أن يكون الحج محراباً للعبادة... وموسماً للتربية والتوجيه ومجالاً للمنفعة وتحقيق المصالح الاجتماعية للإنسان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

 الهوامش:

1  . آل عمران / 97 .

2  . المائدة / 97 .

3  . الحج / 27 و 29 .

4  . مستدرك وسائل الشيعة / ج 8 / ص 37 .

5  . تهذيب الأحكام / ج 5 .

6  . مستدرك وسائل الشيعة / ج 8 / ص 37 .

7  . وسائل الشيعة / ج 14 .

8  . مستدرك وسائل الشيعة / ج 8 / ص 37 .

9  . وسائل الشيعة / ج 5 .

10  . وسائل الشيعة / ج 8 / ص 7 .

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها