شـهادة للحـوار : هل النهـوض الشـيعـي من دون مـأسـسة وهـم كبير؟-1-

المـهـنـدس فــؤاد الـصـادق

مـن ْ لقباب سامراء الطاهرة ؟

فـي 22 ( شباط ) فبراير الماضـي فجّروا  قباب أبـنـاء الرسـول الأكـرم  (صلّى الله عليه وآله) في سامراء ، فكانت الكارثة ، وكان يمكن أن يكون ما بعد الكارثة مغايراً إيجاباً وبكل المعايير لما قبله ، ويتصدر ذلك بناء القباب خلال فترة قياسية قصيرة ، لكن شيئاً من ذلك لم يقع ، البعض يوعـز ذلك الى ما ينعـتـنا بأمـة الإسـتـنكار القصير ، أو أمـة النسـيان ، بينما البعض يُعـيد ذلك الى الوضع المتأزم الخطير في العراق الجريح ، بينما البعض الأخر يزعم ... الـخ ، والتعليلات والتفسيرات اوالتبريرات كثيرة متنوعة ...حقا ً:

لـــمـــــــاذا لـم يـقـع شــيئاً مــن ذلك ؟

فـي الـوقـت الذي يـقـتـنـص البـعـض أوحـتى يـفـتـعـل مـاهـو أصـغـر مـن هذه الكارثـة ، ويـضـخـمـهـا ويوثـقها ويكتب عنها الروايات الأدبية والقصص والسـيناريوات ويـصنع الأفلام الوثائقية والتسجيلية والسينمائية والبرامج التلفزيونية ويجاهد في تسـويقـها بمظهرمهني وحرفي وحيادي لإيصال مظلوميته الى كل بيت وكل مكان لكـسب الرأي العام العالمي و...

نـعـم لـم يـقـع شــيئاً مــن ذلك بل غابت الكارثة من صفحات الإعلام وأذهان المفكرين والفنانين والمنظرين بسرعة البرق مقارنة بحجم الكارثة وعلى الأقل لمنع تكرارها ، بل وقـعَ العـكـس حيث تـمَّ تصويرالجلاد كضحية ، والضحية كجلاد !! وقوبل ضبط النفس عوضاً عن التقدير والعرفان بالسب والشتم والتخوين والإتهام بالعمالة والتمادي في إبادة الشيعة فى العراق والتهجير، فالجهر بإقصاء الديمقراطية بعناوين ومسميات لا تـسـتبعـد الإنقلاب الكامل !!

 والأغـرب تـرويج وتـسويق مكثف مضخم ومقلوب لكل تلك الجرائم ... نـعـم تـسـويق أخـتـرقَ الكثير من القصور الرئاسيـة في الغرب!!

مــــاذا حـدث َ ؟ !

ومـــا هو السـبـب ؟ !

فـي تصـوري السـبـب يرجـع الـى انـنـا نـتـعـامل مـع التـحديات على أسـاس المفهوم التقليدي للقوة سـواءاً على صعيد الدولة أوالأمـة أوالطائفـة اوالحزب أوالمؤسسـة أوالحركة أوالتحـرّك .

كـيـف ؟

بـإخـتـصـار :

الدولة القـويـة هـي دولـة المـؤسـسات ، الأمـة القـويـة هـي أمـة المـؤسـسات ، الطائـفة القـويـة هـي طائـفة المـؤسـسات ، الحـزب القوي هو حـزب المـؤسـسات ، والمؤسسـة القـويـة هـي المـؤسـسة الـقائـمة على المـأسـسـة !، والحركة القـويـة التـي  يمكن أن تتـرك بـصـمـاتـها في التـاريـخ هـي حركة منظومة المـؤسـسات التي تتقاسم كل الأدوار المطلوبة لإنجاز تلك الحركة بصورة تكاملية و... ، والتـحرك القـوي هـو التـحرك المستند على المـأسـسـة ، وقـس ْ علـى هـذا من فضـلك للإخـتـصـار .

فالمؤسسـات القـائـمـة على المأسـسـة الحـقـيـقـية تـُمـثـل البُنية التحتية لأي كيان ، وهي مصدر القوة والعطاء والإسـتـمـرار والإسـتـقامـة التي يمكن أن تدافع عن رسالـة ورؤيـة وثوابت ومقدسات وأهـداف وستراتيجيات وبالتالي وجود ذلك الكيان ، بل يمكنها أن تخلق  كيانا ًقوياً فاعلا مسـتقـراً فالولايات المتحدة الأميريكية يُـطلق عليها وطن خارج المفهوم التقليدي للوطن ، وأمة خارج المفهوم التقليدي للأمـة ، ومن أهم أسـرار قـوتـها أنها دولـة المؤسـسـات .

طـائـفـة بـلا مـؤسـسـات يـعـنــي طـائـفـة مـُـســـتـبـاحــة !!

فحين تـصبـح الطائـفـة طائـفـة مؤسـسـات تصـبـح قـويـة قادرة على تمثيل ذاتـها وطنيّا ً وإقليميّاً ودوليّا ًوعالميا ً رسميّـا ً وشـعـبـيـّاً، وتـفعـيل حضـورها ، والـدفاع عـن حقـوقها ومقدساتها ودون طائفيـة أوعـنف أوإقصاء داخل الطائفة أوخارجهـا لأي طائفة أوجهة أخـرى ، وطائـفـة المؤسسـات هـي التي تحول دون توظيف الطائفـة للأهداف الشخصية أو الفـئويـة أوالسـياسـية أوالإقتـصاديـة ، وبالتالي تحـول دون الصـراع والتقاتل بأسـم الطائفـة داخل الطائفة وخارجها مع الأخـرين ، لا فـقـط لأن المـؤسسـات تربي أعضاءها على ذلك بل لأنها لوبنيت على المأسـسـة تمنع من الترهل والسكون والشخصنة ، وتدعم وتسهل وصول كل طرف الى حـقه بطرق سـلمية كمـا تمنـع كل طرف مـن تجاوز حقوق الأخـرين ، و... الـخ ، فلا تـتـحول الحـمـائـم الـى صـقـور ، وإذا تحولت فـتهوي الى الأرض سـريعاً ، فلا حمـائـم بلا أجنـحـة ، والمؤسـسـات هي الأجنحة لـمنْ يـريـد أن يـكون قويا ًومسـالمـا ً قـادرا ً على القيام برسـالـته ، ولاتـتـغير إسـتراتـيجياته الأساسية الخاصة بالأمـد البعـيد بين ليلة وضحاها فـتـصبح مـبـتـورة مـع كل أفول وبزوغ فـتـدور مـدار الأشخاص ، وكأنّ الحكم الشرعي أصـبح يـدور مـدار الأشخاص وجوداً وعـدماً ، ولا يـدور مدار مـوضوعـه ، ولا أتكلم عن الأولويات أوالضرورات أوالأهم والمهم أوما نحو ذلك.

إذا كان ذلك صـائباً ، ومن باب : مـا أقـولـه خطأ لكن يحتمل أن يكون صـحيـحاً ، وما تقوله صحيحا ً لكن يحتمل أن يكون خطأً ، وكانت مواجهة الظلم واجبة ، وإقامة العدل واجباً ، والدفاع عن المقدسات واجباً ، والإلتزام والإلزام بالسلم واجباً ، و.... الـخ ، وكان الإنـسـداد حاكما ً في الطرق الأخرى للوصول الى حقوق الطائفة أي محـكـوما ًبالمنع اوالتمنع أوالتحوط أوالفشل أو تجـاوز الخطوط الحمراء السماوية أوالعرفية أو..... الـخ ، فـلـِـمَ الـتـوقـف  ؟!

لـِـمَ الـقـفـز مـن غـصـن إلى أخـر لشـبهـة هنا ، او هناك ، والشـجـرة كلها ، بل الأشـجار كلها باتـت لتكون فـي مـهب الـريـح بل العاصـفة بل الإعصار المدمربل الطـوفان الكبير؟

و لـِـمَ لا يكـون الوضـع كـذلك ؟

و لـِـمَ لا يـتـدهور الوضع أكثر فأكثر في العراق الجريح ؟

وقباب سامراء الطاهرة لأولاد النبي (صلّى الله عليه وآله) المقدسـة عند المسلمين والبشـريـة على حالها  ؟

نعـم هـي مقدسـة للبشرية لأنها دورللعبادة يحترمها المؤمن وغيره ، وهي مقدسـة للمسلمين قاطبة لأنها دوريـُعـبـد فيها الله الواحد الأحد وتـُزار تقرباً

لله وحده لا شريك له ، وبأمره سبحانه وتعالى ، عدا فـئـة متوترة أساءت الفهم وأخطاءت في التقـديـر، فأحدثت ما مهـَّـدَ  لعزل جميع الطوائف الإسلامية وتفـريـقـها فإقصـائها فـي مـهـد الإسـلام ، مـمـا كـلـّفَ ومازال الحـكومات والشعوب كثيراً ، ولا ســيـما العربيـة السـعـوديـة نـفـسـها المُـحرجـة والمُـهـددة مـنـذ أمـد ليـس بالقصير، جـراء قراءات وقرارات وسلوكيات هذه الفـئـة التـي هـي نـفـسـها أفـتـت وباشـرت من قبل تدميرقباب وقبورالبقيع الغـرقـد وتسـويـتها بالأرض وهي تضم رفات أئمة المسلمين (عليـهم السـلام ) وصحابة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وزوجاته وبناته؟!

مـتـى ؟

مرة قبل أكثر من قرنين في العام عام 1220هـ  لكن المسلمون أعادوا بناءها على أحسن هيئة بعد هزيمة هذه الفئة على يد العثمانيين، ودون الجد والإجتهاد لمنع التكرار ، فكرروا الجريمة ثانية حين عادوا الى السلطة فقاموا بهدم تلك القباب والقبورالطاهرة في البقيع وغيرها، وذلك في الثامن من شوال عام 1344هـ الموافق لـ 21 نيسان (إبريل) 1925م ، وتمادوا وتمددوا أكثر فهاجموا في نفس السنة مرقد الإمام الحسين (عليـهم السـلام ) في كربلاء المقدّسة وفعلوا ما فعلوا , وقتلوا ما يُقارب (7000) نفس من العلماء وعموم الناس، ثم توجهوا للنجف الأشـرف ولم يُوَفّقوا لمثل ذلك ،

وحاولوا في نفس الوقت من العام 1925 م هدم قبة الرسول (صلى الله عليه وآله) إلا إنتشارأخبار هدم البقـيـع وتفاعلاته وإنتفاض الأمـة أجبرهـم على التأجيل .

مــا هـــي الأســباب الـتـي تـمـنـعــنـا مـن النجاح في معـالـجـة هـذه القـضـيـة المقدســة ؟

بالـرغــم مـن تـكـرارهـا وعمـرهـا الطويل وقـدسـيتـها وإتـفاق الـقـيـم الكونية والمؤسسات الأممية على إحترامـها والدفاع عنها ، وإذا كانت النتائج في مثل هذه القضية في هذا المستوى فكيف سـتكون النتائج فـي غـيـرهـا ؟

بـعـيـداً عـن تـعمـيـمـات نـظريـة الـمـؤامـرة  لا يـسـعـنا إلا أن نـُعـيـد :

طـائـفـة بـلا مـؤسـسـات يـعـنــي طـائـفـة مـُـســـتـبـاحــة !!

قـد يـُقـال :

أنـّــى لـنـا حـالـيـاً هــذه المـؤسـسـات وبالمـواصـفـات المـذكـورة ؟

نـقـول :

أولاً : هـنـاك الكـثـيـر من المـؤسـسـات المـذكـورة ، وغايـة مـا فـي الأمـر أنها بـحاجـة الـى مـأســســة طبـعـاً إضافـة الى الحاجـة الى مـؤسـسـات تملئ الفـراغات الكبيرة القائـمـة .

ثـانـياً : التـحرك القـوي هـو التـحرك التكاملي المستند على جوهر وروح المـأسـسـة ، ولقـد وقـعَ ما عـكـسَ مثل هـذا التحرك وذلك فـي بداية الكارثـة في الإجتماع الذي ضمَّ المرجع الديني السيد علي السيستاني إلى جانب كلّ من المراجع : السيد محمد سعيد الحكيم والشيخ إسحاق الفياض والشيخ بشير النجفي ، و ذلك عقب جريمة تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام في سامراء.

فالمتـتـبـع لردود مراكـز القرار ودوائر البحوث والدراسات والإعلام يتلمس وبوضوح الترقب المشوب بالحذر والخوف الذي سيطرَعلى تلك المراكز والدوائر بعد الإطلاع على خبرالإجتماع الرباعي للمرجعيات الدينية في النجف الأشرف ، ومـا رافـق َذلك الإجتماع من تحرك فعـّال لبقية المرجعيات الدينية في كل مكان ، ولقد كتبت يومـها مقالاً بعـنـوان:

( لقاء طالَ إنتظاره ) إقـتـرحـنـا فيـه مأسـسـة روح وإيحاءات اللقاء لمـواجـهـة التحديات الخطيرة المصيرية المتصاعد ة .