الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية قصص وعبر
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
مواقع اسلامية
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز

لمحات من حكومة الامام علي سلام الله عليه


قليل من وقتك رشحنا لافضل المواقع الشيعية ان احببت شكر لكم

 

تسلّم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قيادة الحكم بعد الإطاحة بحكومة عثمان بن عفّان، وقد أعلن بين المسلمين معالم سياسته الداخلية والخارجية، وأكّد بصورة حازمة اهتمامه البالغ بأمر الخراج وسائر ما تملكه الدولة من وارداتها المالية، وأنّها ملك للشعب، وليس له أن يصطفي فيها لنفسه وذويه، وإنّما يجب أن تنفق على تطوير حياة المواطنين، وإنقاذهم من غائلة الفقر والحرمان، كما يجب أن تهيّأ لهم الفرص المتكافئة للعمل لئلا تشيع البطالة والجريمة في البلاد.

إنّ من أهمّ البرامج في السياسة الاقتصادية عند الإمام هو إشاعة الرخاء وانعاش عامّة الشعوب الإسلامية، وتوزيع خيرات البلاد التي تعود للدولة على جميع من يقطن في بلاد الإسلام، وعدم احتكارها لقوم دون آخرين، كما كان الحال في أيام عثمان بن عفّان الذي منح الثراء العريض لبني اُميّة وآل أبي معيط، وغيرهم ممّن ساروا في ركابه، فتكدّست الثروة عند فئة من الناس حتّى ترك بعضهم بعد موته من الذهب ما يكسّر بالفؤوس في حين أنّ المجاعة قد انتشرت عند الكثيرين من الناس.

وقد اتّسم موقف الإمام عليه السلام بالشدّة والصرامة على هؤلاء الذين نهبوا أموال المسلمين بغير حقّ، فأصدر أوامره الحاسمة بمصادرة جميع الأموال التي اختلسوها من بيت المال، وتأميمها للدولة، وقد قال في الأموال التي عند عثمان:

وَاللهِ! لَوْ وَجَدْتُهُ – أي المال – قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّساءُ، وَمُلِكَ بِهِ الإِماءُ، لَرَدَدْتُهُ، فَإنَّ في العَدْلِ سَعَةً. وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أضيَقُ!.
هكذا كانت سيرة رائد العدالة، ومعلن حقوق الإنسان، الصرامة في الحقّ التي لا هوادة ولا مداهنة فيها.

سياسته الداخلية

أجهد الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه نفسه على أن يسوس الناس بسياسة مشرقة قوامها العدل الخالص، والحقّ المحض، وينشر الرفاه والأمن، ويوزّع الخيرات على العباد بالسواء، فلا يختصّ بها قوم دون آخرين...
وهذه شذرات من سياسته الداخلية:

المساواة

وتبنّى الإمام عليه السلام في جميع مراحل حكمه المساواة والعدالة بين الناس، فلا امتياز لأي أحد على غيره، وهذه بعض مظاهر مساواته:


1. المساواة في العطاء:
وساوى الإمام عليه السلام في العطاء بين المسلمين وغيرهم، فلم يقدّم عربياً على غيره، ولا مسلماً على مسيحي، ولا قريباً على غيره، وسنتحدّث عن كثير من مساواته في العطاء الأمر الذي نجم منه أنّه تنكّرت له الأوساط الرأسمالية وأعلنوا الحرب عليه.

 

2. المساواة أمام القانون:
وألزم الإمام عمّاله وولاته على الأقطار بتطبيق المساواة الكاملة بين الناس في القضاء وغيره، قال عليه السلام في إحدى رسائله إلى بعض عمّاله:
‹فَاخْفِضْ لَهُمْ جَناحَكَ، وَألِنْ لَهُم جَانِبَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، حَتّى لا يَطْمَعَ العُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ، وَلا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ...›.

3. المساواة في الحقوق والواجبات:
ومن مظاهر المساواة العادلة التي أعلنها الإمام عليه السلام المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فلم يفرض حقّاً على الضعيف ويعفُ عن القوى، بل الكلّ متساوون أمام عدله.

المواساة

من برامج سياسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مواساته للفقراء والضعفاء في جشوبة العيش ومكاره الدهر، وقد أعلن عن مواساته للشعوب الإسلامية بقوله: ‹أ أقنَعُ مِن نَفسي بِأنْ يُقالَ: هذَا أميرُ المُؤمنينَ، وَلا اُشارِكُهُمْ في مَكارِهَ الدَّهرِ، أوْ أكون اُسوَةً لهُم في جشوبَةِ العيشِ!.. وَلعلَّ بالحِجاز أو اليَمامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُُ في القُرْص...

وَحَسْبُكَ دَاءً أنْ تَبيتَ بِبِطْنَةٍ وَحَولَكَ أكْبادُ تَحِنُّ إلى الْقِدِّ›
هذه مواساته للمحرومين والفقراء، وليس في تاريخ الإسلام وغيره حاكم واسى رعيّته في آلامهم وبؤسهم وفقرهم غيره.

إلغاء التفاخر بالآباء 

ونهى الإمام عليه السلام رعيّته عن التفاخر بالآباء والأجداد والمباهات بالبنين والأموال، وغير ذلك من التفاخر بما يؤول أمره إلى التراب.

إنّ التفاخر والتفاضل إنّما هو بعمل الخير، وما يسديه الإنسان لوطنه واُمّته من ألطاف ينتعش بها الجميع وتتطوّر به حياتهم الفكرية والاجتماعية، أمّا غير ذلك فهو من الفضول الذي ليس وراءه إلا السراب.

منع الشطرنج

ومنع الإمام في دور حكومته من اللعب بالشطرنج، فقد مرّ على قوم يلعبون به فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، وقلب الرقعة عليهم.

نهيه عن الجلوس في الطريق

ومنع عليه السلام الناس في الكوفة من الجلوس على ظهر الطريق؛ لأنّه مظنّة للتعرّض لأعراض الناس، فكلّمه الكوفيون في ذلك فقال لهم:
‹أدَعَكُمْ عَلى شَرِيْطَةٍ؟›.
قالوا: وماهي يا أمير المؤمنين؟
قال: ‹غضُّ الأبصارِ، وَرَدُّ السلامِ، وَإرْشادُ الضّالِّ›، قالوا قد قبلنا فتركهم.

حرقه لمحلات الخمر

أمّا الخمر فإنّه من الجرائم التي تصدّ عن ذكر الله وتلقي الناس في شرّ عظيم، وقد اتّخذ الإمام جميع الإجراءات لمنع انتشاره بين الناس، وقد حرق الإمام قرية من قرى الكوفة يباع فيها الخمر.

انشاؤه بيتاً للمظالم

وأنشأ الإمام بيتاً للمظالم أنشاه للذين لا يتمكّنون من الوصول إلى السلطة، وكان عليه السلام يشرف عليه بنفسه ولا يدع أحداً يصل إليه فيطّلع على الرقاع، ويبعث خلف المظلوم ويأخذ بحقّه من الظالم، ولمّا صارت واقعة نهروان ورجع إلى الكوفة فتح باب البيت فوجد الرقاع كلّها مليئة بسبابه وشتمه، فألغى ذلك البيت.

شرطة الخميس

وأحدث الإمام عليه السلام جهازاً للمحافظة على الأمن ومراقبة الأحداث، وقد سمّاه (شرطة الخميس)، وقد اختار لها خيرة الرجال في إيمانهم وتحرّجهم في الدين، وكان منهم المجاهد الشهيد حبيب بن مظاهر وعِفاق بن المُسَيْح الفزاري.

مع رجل طويل الذيل

رأى الإمام عليه السلام رجلاً طويل الذيل في لباسه فقال عليه السلام:
‹يا هذا، قَصِّرمِنْ هذا، فَإنّهُ أنقى، وَأبقى، وأتقى›.

تقديمه لقنبر عليه

وكان من مظاهر عدله وسموّ ذاته أنّه قدّم خادمه قنبراً على نفسه في لباسه وطعامه، فقد اشترى ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين، فقال لقنبر: خذ الثوب الذي بثلاثة دراهم، فقال قنبر:

أنت أوْلى به يا أمير المؤمنين، أنت تصعد المنبر وتخطب؟ فقال عليه السلام:
‹يا قنبَرُ، أنْتَ شابُّ، وَلَكَ شَرَهُ الشَّبابِ، وَأنا اسْتَحِي مِنْ رَبِّي أنْ أتَفَضَّلَ عَلَيكَ..›.

أمرُهُ بكتابة الحوائج

وأصدر الإمام عليه السلام مرسوماً بكتابة الحوائج وعدم ذكر أسمائهم، فقد قال عليه السلام لأصحابه:
‹مَنْ كانَتْ لَهُ إلَيَّ مِنكُم حاجَة فليرفَعْها فِي كتابٍ لأصُونَ وُجُوهَكُم مِن المسألَةِ›.

مدير شرطة الإمام

أمّا مدير شرطة الإمام فهو من خيار الرجال، وهو معقل بن قيس الرياحي.

كاتبه

أمّا كاتبه فهو سعيد بن نمران سيّد همدان، وكان الإمام يقول للكاتب:
‹فَرِّج ما بَيْنَ السُّطُورِ، وَقَرِّبْ بَيْنَ الحُرُوفِ›.
ومن الجدير بالذكر أنّ الخلفاء الذين سبقوا الإمام كانوا يستكتبون بعض الأشخاص من الذين خانوهم، فكان مروان كاتباً لعثمان وقد خانه، وهو الذي أشعل الرعية حرباً عليه، ولكن لمّا آل الأمر إلى عليّ اشتدّ في الأمر، وبذل المزيد من الاهتمام بما لم ير مثله.

وكان من كتّابه عبيد الله بن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الصراحة والصدق

والشيء البارز في سياسة الإمام عليه السلام التزام الصراحة والصدق في جميع شؤون حياته، فلم يوارب ولم يخادع ولم يداهن في دينه، وسار على منهج أخيه وابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وآله، ولو أنّه التزم بالأعراف السياسية السائدة في عصره وغيره لمّا آلت الخلافة إلى عثمان بن عفّان، فقد ألحّ عليه عبد الرحمن بن عوف أن يبايعه شريطة أن يسير بسيرة الشيخين، فامتنع من إجابته، وصارحه أنّه يسوس الاُمّة بمنهاج الكتاب والسنّة وليس غيرهما رصيداً يستند إليه في عالم السياسة والحكم، لقد أبى ضميره الحيّ أن يخادع أو يماكر في سبيل الوصول إلى السلطة، فقد زهد فيها، وتنكّر لجميع مغرياتها، وكان كثيراً ما يتنفّس الصعداء من الآلام المحيطة به من جرّاء خصومة القرشيين، فكان يقول:

‹وَا وَيْلاهُ! يَمْكُرُون بِي، وَيَعْلَمونَ أنّي بِمَكْرِهِمْ عالِمُ، وَأَعْرَفُ مِنهُم بوُجوهِ المَكرِ، ولكِنّي أعلمُ أنَّ المكْرَ والخديعةَ في النّار، فَأصْبِرُ على مكْرِهِمْ وَلا أرْتكِبُ مِثْلَ ما ارتكَبوا›.

وردّ على من قال فيه إنّه لا دراية له بالشؤون السياسة وإنّ معاوية خبير بها قال عليه السلام:
‹وَاللهِ! ما معاويةُ بأدهى منّي، ولكنَّهُ يغدِرُ ويفجُرُ، وَلولا كراهية الغدْرِ لكُنتُ من أدهى الناس›.
وأنكر على بعض الناس الذين يتوسّلون ويستخدمون جميع الوسائل للوصول إلى الحكم، وقد برّروا ذلك بأنّها حيلة منهم قال عليه السلام:
‹وما يغدِرُ مَن عَلِمَ كيفَ المرجعُ. وَلقدْ أصبحنا في زَمانٍ قَدِ اتَّخذَ أكثرُ أهلهِ الغدرَ كَيساً، ونسبهم أهلُ الجهْلِ فيهِ إلى حُسن الحيلةِ. مالهم! قاتلهمُ الله! قد يرى الحُوَّلُ القُلَّبُ وجْه الحيلةِ ودونها مانعٌ من أمرِ الله ونهيِهِ، فيدعُها رأْيَ العينِ بعدَ القدرةِ عليها، وينتهزُ فُرصتها مَنْ لا حريجَةَ لهُ في الدِّين›.

على هذا الخلق الرفيع بنى الإمام سياسته الرشيدة التي لا التواء ولا خداع فيها، والتي كانت السبب في خلوده في جميع الأجيال والآباد.

إلغاء المهرجانات الشعبية

ولم يحفل الإمام عليه السلام بالمهرجانات الشعبية ونفر منها، وكان من ذلك أنّه لمّا قدم من حرب الجمل واجتاز على المدائن خرج أهلها لاستقباله، وعلت زغردة النساء، وذهل الإمام من ذلك فسألهم عن مهرجانهم، فقالوا له: إنّا نستقبل ملوكنا بمثل ذلك، فقال لهم الإمام بما مضمونه: إنّه ليس ملكاً وإنّما هو كأحدهم، يقيم فيهم الحقَّ والعدلَ، ولم ينصرفْ عن مكانه حتى انصرف الناس إلى أعمالهم.

إقامة الحدّ على النجاشي

كان النجاشي شاعراً رقيقاً في نظمه، موهوباً في أدبه، وهو من شعراء الإمام عليه السلام، والشعراء في تلك العصور ألسنة الاُمّة، ووسائل إعلامها، وقد شرب النجاشي الخمر في شهر رمضان، فقد أغراه أبو سَمَّال العدويِّ، وقال له: ما تقول في رؤس حُملان في كَرِشٍ في تنّور قد أينع من أول الليل إلى آخره؟ فقال له النجاشي: ويحك! في شهر رمضان تقول هذا؟ فقال له: ما شهر رمضان وشوّال إلا سواء، وقال له النجاشي: فما تسقيني عليه؟ قال: شراباً كأنّه الورس يطيّب النفس ويجري في العظام ويسهّل الكلام، ودخلا المنزل فأكلا وشربا، فلمّا أخذ الشراب منهما مأخذاً تفاخرا، وعلت أصواتهما، فسمع جار صوتهما فسارع إلى الإمام فأخبره، فأرسل للقبض عليهما بعض شرطته، فأمّا أبو سَمّال فقد هرب ولم يقبض عليه، وأمّا النجاشي فقد قبضت عليه الشرطة وجاءت به مخفوراً إلى الإمام فقال له:

‹وَيْحَكَ! إنّنا صِيامُ وَأنْتَ مُفْطِرُ؟›.
ثمّ أمر أن يضرب ثمانين سوطاً، وزاده عشرين سوطاً، فقال النجاشي:
ما هذه الزيادة يا أبا الحسن؟..
فقال عليه السلام: ‹لِجَرْأتِكَ عَلَى اللهِ في شَهْرِ رمضان›، ثمّ رفعه إلى الناس في تبّان، وذلك لإهانته حتى يرتدع الناس من شرب الخمر.

سياسته المالية

كان للإمام عليه السلام منهج خاصّ متميّز في سياسته المالية، ومن أبرز مناهجه أنّه كان يرى المال الذي تملكه الدولة مال الله تعالى ومال المسلمين، ويجب إنفاقه على تطوير حياتهم، وإنقاذهم من غائلة البؤس والحاجة، ولا يختصّ ذلك بالمسلمين، وإنّما يعمّ جميع من سكن بلاد المسلمين من اليهود والنصارى والصابئة، فإنّ لهم الحقّ فيها كما للمسلمين.

كان الإمام عليه السلام يرىالفقر كارثة اجتماعية مدمّرة يجب القضاء عليه بجميع الوسائل، وقد اُثر عنه أنّه لو كان رجلاً لأجهز عليه..
ونلمّح – بأيجاز – إلى بعض معالم سياسته المالية:

توزيع المال

من المناهج في السياسية المالية التي انتهجها الإمام عليه السلام في حكومته توزيع الأموال التي تجبى للخزينة المركزية حين وصولها، فكان يبادر إلى إنفاقها على مستحقّيها، والجهات المختصّة كتعمير الأراضي وإصلاح الري، الإمر الذي يعود على البلاد بالفائدة، وكانت هذه سيرته ومنهجه.

ويقول الرواة: إنّ ابن النباح وهو أمين بيت المال جاءه وقال: يا أمير المؤمنين، امتلأ بيت المال من الصفراء والبيضاء، فقال عليه السلام: ‹الله اكبر›، وقام متوكّئاً على ابن النباح، فلمّا انتهى إلى بيت المال قال:

‹هذا جَنايَ وخِيارُهُ فيهِ

وَكُلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فيهِ›

ثمّ أمر الإمام عليه السلام باتباع الكوفة فحضروا، ووزّع جميع ما في بيت المال، وهو يقول: ‹يا صَفراءُ! وَيا بيضاءُ! غُرِّي غَيْري› ولم يُبْقِ فيه ديناراً ولا درهماً، ثمّ أمر بنضحه، وصلّى فيه ركعتين، وورد إليه مال فقسّمه، ففضل منه رغيف فقسّمه سبعة أقسام وأعطاها لهم، كما وردت إليه زقاق من عسل، فقسّمه عليهم، ثمّ جمع الأيتام فجعل يطعمهم ما بقي في الزقاق من عسل.

لقد كانت هذه سيرة إمام الحقّ ورائد العدل في الأموال التي تجبى للخزينة المركزية، ثمّ لا يستأثر بأي شيء منها لا هو ولا أهل بيته.

المساواة في العطاء

وانتهج الإمام عليه السلام طريقة خاصّة في العطاء، وهي التسوية بين المسلمين، فلم يميّز قوماً على قوم، ولا فئة على فئة، وقد جرّت له هذه السياسة الأزمات، وخلقت له المصاعب، فقد فسد عليه جيشه وتنكّرت له الوجوه والأعيان، وناهضته الرأسمالية القرشية التي استأثرت بأموال المسلمين في عهد الخلفاء.

وقد خالف الإمام عليه السلام بذلك سياسة عمر التي بنيت على التفاوت بين المسلمين في العطاء فقد فضّل البدريّين على غيرهم، وفضّل الأنصار على غيرهم، وبذلك فقد أوجد الطبقيّة والرأسمالية بين المسلمين..

لقد ألغى الإمام هذه السياسة إلغاء تامّاً، وساوى بين المسلمين كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولمّا مني جيش الإمام عليه السلام بالانحلال والتخاذل واتّجهوا صوب معاوية سارع ابن عباس نحو الإمام عليه السلام فعرض عليه حالة جيشه، وما يصلحه قائلاً:

يا أمير المؤمنين، فضّل العرب على العجم، وفضّل قريشاً على سائر العرب..
فرمقه الإمام بطرفه، وردّ عليه قائلاً:
‹أتأمروني أنْ أطْلُبَ النَّصْرَ بالجوْرِ؟ ولوْ كانَ المَالُ لِي لَسَوَّيْت بينَهُمْ، فكيفَ وإنَّما المَالُ مالُ الله›.
لقد تبنّى هذا العملاق العظيم مصالح البؤساء والمحرومين وآثرهم على كلّ شيء، فمن مظاهر عدله في مساواته أنّ سيّدة قرشية، وفدت عليه طالبة منه زيادة مرتبها، فلمّا انتهت إلى الكوفة لم تهتد إلى محل إقامته، فسألت سيّدة عنه، وطلبت منها أن تأتي معها لتدلّها عليه وسارت معها السيّدة، فسألتها القرشية عن مرتبها فأخبرتها به، وإذا هو يساوي مرتبها، وسألتها عن هويّتها فأخبرتها أنّها أعجمية، فلمّا انتهت إلى الجامع الأعظم الذي يقيم فيه الإمام، أمسكت بها القرشية، ولمّا انتهت إلى الإمام أخذت تصيح:

أمن العدل يا بن أبي طالب أن تساوي بيني وبين هذه الأعجمية؟ فالتاع الإمام منها، وأخذ قبضة من التراب وجعل يقلّبها بيده وهو يقول:
‹لَمْ يَكُ بَعْضُ هذا التُرابِ أفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ›، وتلا قوله تعالى: (يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِن ذَكَرٍ وَانثى وَجَعَلْناكم شُعوباً وَقَبائلَ لِتعارَفوا إنَّ أكْرمَكُم عندَ اللهِ أتقاكُم).

لقد أدّت هذه السياسة المشرقة التي انتهجها الإمام إلى إجماع القوى المنحرفة والباغية على الاطاحة بحكومته وشلّ فعاليّاتها.
يقول المدائني: ‹إنّ من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تخاذل العرب عن الإمام اتّباعه لمبدأ المساواة حيث كان لا يفضّل شريفاً على مشروف في العطاء ولا عربياً على أعجمي›.

إنّ الإنسانية على ما جربت من تجارب، وبلغت من رقي وإبداع في الأنظمة الاقتصادية التي تسير عليها الدولة، فإنّها لم تستطع بحال من الأحوال أن تنشىء أو تقيم مثل هذا النظام.

احتياطه في أموال الدولة

واحتاط الإمام كأشدّ ما يكون الاحتياط في أموال الدولة، وقد روى المؤرّخون صوراً مدهشة من احتياطه فيها كان منها ما يلي:

1. مع عقيل:
وفد عليه عقيل طالباً منه أن يُرفّه عليه ويمنحه الصلة، فأخبره الإمام أنّ ما في بيت المال للمسلمين، وليس له أن يأخذ منه قليلاً ولا كثيراً، وإذا منحه وأعطاه منه فإنّه يكون خائناً ومختلساً، وإخذ عقيل يلحّ عليه ويجهد في مطالبته، فأحمى له الإمام حديدة وأدناها منه، فظنّ أنّها صرّة فيها مال، فألقى نفسه عليها، فلمّا مسّها كاد أن يحترق من ميسمها، وضجّ ضجيج ذي دنف منها.

2. مع الحسن والحسين:
ولم يمنح الإمام أي شيء من بيت المال لسبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وعاملهما كبقيّة أبناء المسلمين. يقول خالد بن معمر الأوسي لعلياء بن الهيثم وكان من أصحاب الإمام: اتّق الله يا علياء! في عشيرتك، وانظر لنفسك ولرحمك، ماذا تؤمّل عند رجل أردته أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها العيش فأبى وغضب فلم يفعل؟
إنّ النظام الاقتصادي الذي أقامه الإمام يهدف إلى إقامة مجتمع متوازن لا تقف فيه الرأسمالية ولا يوجد فيه بائس وفقير ومحروم.

الانتاج الزراعي

اهتمّ الإمام عليه السلام اهتماماً بالغاً بتنمية المشاريع الزراعية وأولاها المزيد من رعايته لأنّها في تلك العصور العمود الفقري للاقتصاد العام للبلاد، وقد أكّد الإمام في عهده لمالك الأشتر على ضرورة إصلاح الأرض قبل أخذ الخراج منها فلنستمع لقوله:

وَلْيكُن نَظَرُكَ في عمارةِ الأرْضِ أبْلَغَ من نظرِكَ في اسْتِجْلابِ الخراجِ، لأنَّ ذلكَ لا يُدْركُ الا بالعمارةِ؛ ومن طَلَبَ الخراجَ بغيرِ عمارةٍ أخْرَبَ البلاد، وأهْلَكَ العباد.

أرأيتم كيف نظر الإمام بعمق وشمول إلى الإصلاح الزراعي الذي يتولّد منه زيادة الدخل الفردي، ويرتبط به نشر الرخاء والرفاه بين الناس؟ وفي نفس الوقت من العناصر الأساسية في القضاء على البطالة.

الحرية

من المبادىء التي طبّقها الإمام في أيام حكومته منح الناس الحرية الكاملة شريطة أن لا تستغلّ في الاعتداء على الناس، ولا تضرّ بمصالحهم، وأن لا تتنافى مع قواعد الشرع، ومن معالمها ما يلي:

الحرية السياسية

 ونعني بها أن تتاح للناس الحرية التامّة في اعتناق أي مذهب سياسي من دون أن تفرض السلطة عليهم رأياً معاكساً، وقد منح الإمام عليه السلام هذه الحرية حتى لأعدائه الذين أعلنوا رفض بيعته التي قام عليها إجماع المسلمين كسعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن عمر، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم من أنصار الحكم المباد الذي كان يغدق عليهم بهباته وأمواله ولم يجبرهم الإمام على بيعته، ولم يتّخذ معهم أي إجراء حاسم كما اتّخذه أبو بكر ضدّ المتخلّفين من بيعته.
كان الإمام عليه السلام يرى الناس أحراراً في اتّجاهاتهم وميولهم، ويجب على الدولة أن توفّر لهم الحرية الكاملة ما لم يعلنوا التمرّد على الحكم القائم أو يحدثوا فساداً في الأرض، وقد منح الإمام الحرية للخوارج فلم يحرمهم العطاء ولم تطاردهم الشرطة والجيش مع العلم أنّهم كانوا من ألد أعدائه وخصومه، ولمّا سعوا في الأرض فساداً، وأذاعوا الذعر والخوف بين الناس انبرى إلى قتالهم حفظاً على المصلحة العامّة.
وعلى أي حال فيتفرّغ عن الحرية السياسية ما يلي:

1. حرية القول:
من مظاهر الحرية الواسعة التي منحها الإمام عليه السلام للمواطنين حرية القول، وإن كان في غير صالح الدولة ما لم يتعقّبه فساد، فالعقاب يكون عليه.
وقد روى المؤرّخون أنّ الإمام لمّا رجع من النهروان استقبل بمزيد من السبّ والشتم، فلم يتّخذ الإمام مع القائلين أي إجراء، ولم يقابلهم بالعقوبة والحرمان، وقد التقى أبو خليفة الطائي بجماعة من اخوانه وكان فيهم أبو العيزار الطائي وهوم ممّن يعتنق فكرة الخوارج فقال لعدي بن حاتم: يا أبا طريف، أغانم سالم أم ظالم آثم؟

وقد عرّض بذلك إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له عدي:
بل غانم سالم..
الحكم ذاك إليك..
وأوجس منه خيفة الأسود بن زيد، والأسود بن قيس، فألقيا القبض عليه، ونقلا كلامه المنطوي على الشرّ والخبث إلى الإمام، فقال الإمام لهما:
‹ما أصنَعُ؟..›.
نقتله..
‹أقْتُلُ مَنْ لا يَخْرُجُ عَلَيَّ؟›.
تحبسه..
‹لَيْسَ لهُ جنايَة، خلّيا سبيلَ الرَّجُلِ›.
ولم يشاهد الناس مثل هذه الحرية في جميع مراحل التأريخ، فلم يحاسب الإمام الناس على ما يقولون وإنّما تركهم وشأنهم، فلم يفرض عليهم رقابة تحول بينهم وبين حرّيتهم.

2. حرية النقد:
ومنح الإمام الحرية الواسعة لنقد حكمه، ولم يتعرّض للناقدين له بسوء، وكان ابن الكوّاء من ألد أعدائه، فقد اعترض عليه وقال له:
(لَئِنْ أشْرَكتَ ليحبَطَنَّ عَمَلُكَ)، فردّ عليه عليه السلام:
(فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّك الذين لا يوقنون)، ولم يتّخذ الإمام ضدّه أي إجراء وإنّما عفا عنه وخلّى سبيله.

3. حرية التنقّل:
ولم يفرض الإمام عليه السلام الإقامة الجبرية على أي أحد من الصحابة وغيرهم كما فرضها عمر بن الخطّاب، وقد سمح الإمام لطلحة والزبير بالخروج من المدينة مع علمه أنّهما يريدان الغدرة لا العمرة.

هذه بعض مظاهر الحرية التي منحها الإمام عليه السلام للمواطنين، وقد حقّقت العدل بين الناس بجميع رحابه ومفاهيمه.

 الرقابة على السوق

الإمام عليه السلام أوّل خليفة في الإسلام قام بالرقابة على السوق، وكان يتجوّل بين الباعة، ويوصيهم بتقوى الله تعالى، وينهاهم عن معصيّته، ويأمرهم بالاستقامة في معاملاتهم وكان يقول لهم: أحسنوا، أرخصوا بيعكم على المسلمين فإنّه أعظم للبركة.

1. مع التجّار:
كان عليه السلام يسير في الأسواق وفي يده الدرّة، ويقول للتجّار:
‹يا مَعْشَرَ التُّجّارِ! خُذُوا الحَقَّ وَأعْطُوا الحَقَّ تَسْلموا›.

2. مع القصّابين:
كان عليه السلام يمشي وحده في الأسواق، ويأمرالناس بتقوى الله، وحسن البيع ويقول: ‹أوفوا الكَيْلَ والميزانَ ولا تنفُخُوا اللَّحم›.

3. مع غالب بن صعصعة:
ووقد غالب بن صعصعة أبو الفرزدق فقال له الإمام:
‹ما فعلت بإبلُكَ الكثيرةُ؟›.
فقال غالب: ذَعْذَعَتْها الحقوقُ، أي فرّقتها، فقد أنفقتها في أداء حقوق الناس. وأثنى الإمام قائلاً:
‹ذاك أحمدُ سبيلِها›.

مع مجنون:

كان رجل مجنون في عهد الإمام يمشي أمام الجنائز وينادي: الرحيل الرحيل، ولا تكاد جنازة تخلو منه، فمرّت جنازة بالإمام ولم ير أمامها المجنون فسأل عنه، فقيل له: هو هذا الميّت، فقال عليه السلام:

‹لا إلهَ إلا الله› ثمّ تمثّل بهذا البيت:
‹ما زالَ يصْرُخُ بالرَّحيل مُنادياً حَتّى أناخَ بِبابه الجَمّالُ›

مع أهل الكوفة:

قال عليه السلام لأهل الكوفة:
‹إذا تُرِكْتُمْ عُدْتُمْ إلى مُجالِسِكُمْ عِزيْنَ تَضْرِبُونَ الأمثالَ، وَتنشدونَ الأشعارَ›.

في سوق الإبل:

خرج الإمام عليه السلام إلى سوق الإبل فلمّا توسّطه رفع صوته قائلاً: ‹يا مَعشَرَ التَّجارِ! إيّاكمْ واليمينَ الفاجِرةَ فإنّها تُنفقُ السِّلعةَ، وتمحق البركة›.

عدم شرائه ممّن يعرفه:

كان الإمام عليه السلام لا يشتري أيّة سلعة ممّن يعرفه خوفاً من أن يسامحه فيها، فقد روى الرواة أنّه جاء إلى سوق الكرابيس فقصد رجلاً وسيماً فقال له:

‹يا هذا! عِنْدكَ ثوْبانِ بخمسَةِ دراهمَ؟›.
فقال الرجل: نعم، يا أميرالمؤمنين، فلمّا عرفه تركه الإمام وانصرف.