ستقرؤون في هذه الصفحة مقتطفات من كتاب (الإمام الصادق (ع) كما عرفه علماء الغرب) وهو (مجموعة من البحوث التي أعدّها علماء الاستشراق في الجامعات المختلفة، وألقوها في ندوة نظمتها جامعة استراسبورغ الفرنسية عام 1968 م، ثم نشرتها في سفر ضخم يحمل طغراء هذه الجامعة العريقة عام 1970 م) كما جاء في الكتاب نفسه أحببنا ذكرها حتى نعرف مدى الدور العظيم لإمامنا الصادق سلام الله عليه وما أسسه وقدّمه من العلوم المختلفة للحضارة الإنسانية بشكل عام وللحضارة الإسلامية بشكل خاص، حيث يعود الفضل كله إليه سلام الله عليه فيما بلغته البشرية من التقدم الهائل والتطور العظيم في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والفكرية، والثقافية و... سائلين الباري عزوجل أن يوفقنا لخدمة أئمة أهل البيت سلام الله عليه، وأن نتعلم منهم سبل النجاح والكمال الذي أراده الله سبحانه وتعالى لنا.

في تركيب العناصر

* فلابد إذن من الاعتراف بأن جعفراً الصادق سلام الله عليه ، بذهابه إلى أن الهواء مركّب من عناصر مختلفة، قد سبق عصر العلم والاكتشافات الحديثة بألف سنة.
* وقد كان الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه  أول من فنّد القول بأن هناك عناصر أربعة، فقوّض هذه النظرية من أساسها بعدما عاشت قرابة ألف سنة، وكان الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه آنذاك في مستهل حياته العلمية الحافلة.
* والحقيقة التاريخية هي أن الإمام جعفراً الصادق سلام الله عليه هو أول من اهتدى إلى الأوكسجين أو مولّد الحموضة، وأغلب الظن أنه اهتدى إليه وهو ما زال في مدرسة أبيه الباقر سلام الله عليه وكان سابقاً بألف سنة على بريستلي ولا فوازييه في إكتشاف الأوكسجين.
 

الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه مؤسس العلوم العرفانية في الإسلام

* ... فالصادق سلام الله عليه يعدّ في تاريخ العلوم الإسلامية من مؤسسي علم العرفان.
* ... أن جعفر الصادق سلام الله عليه هو قدوة العرفاء في التاريخ الإسلامي، ولا غرو أن يذكروه بعظيم الإجلال والاحترام والود.
* ... فعرفان الصادق سلام الله عليه هو أسمى ما وصل إليه الفكر البشري لبلوغ الصفاء والتكامل النفسي والروحي. وكان مذهبه من السمو والرفعة. بحيث تقاصر عن فهمه وتحليله وتبنّيه كثير من الناس سواء في عصره أو في العصور التي تلته عندما تشعّب العرفان وأصبحت له مكاتب وفرق متعددة.
* يرتكز العرفان عند الإمام الصادق سلام الله عليه على التوكل على الله تعالى وتنفيذ أحكامه وأوامره، والامتثال لنواهيه دون إهمال شؤون الدنيا أو تركها لئلا تضطرب الحياة اليومية وتفقد صفاءها وسعادتها، فهو لا يوصي بترك الدنيا للوصول إلى السعادة بل يرى أن السعادة هي التوكل على الله والتقوى، وتقبل حظوظ الدنيا المشروعة.
* ... ولكن جعفر الصادق سلام الله عليه لم يقبل بوحدة الوجود أبداً، وكان يرى أن الإنسان المخلوق، هو شيء، والخالق (الله سبحانه) شيء آخر.

الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه وانبعاث عصر التجديد في تاريخ العلوم

* ... ليصحّ لنا القول بأن الصادق سلام الله عليه إن لم يكن هو الرائد المجدد في جميع العلوم فهو دون أدنى ريب في طليعة أولئك المجددين ولا سيّما في علمي الهيئة والنجوم.
* ولكن العلماء الذين سبقوا الصادق سلام الله عليه لم يقل منهم أحد بأن الكرة الأرضية تدور حول الشمس، فكان الصادق سلام الله عليه أسبق العلماء إلى إيراد هذه النظرية العلمية الهامة.
* ولا يستبعد أبداً أن يكون الإمام العالم جعفر الصادق سلام الله عليه الذي اكتشف نظرية دوران الأرض حول نفسها، قد توصّل قبل ذلك إلى قانون الجاذبية.
* وللإمام آراء علمية جريئة في الفيزياء وغيرها من العلوم لا تختلف أبداً عن النظريات العلمية في عصرنا الحديث.
* وسنرى أن الإمام جعفراً سلام الله عليه قد تعرّض في مباحث الفيزياء لمسائل لم يتعرض لها أحداً، لا قبله ولا بعده إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.
* وإن نظرية القطبين المتضادين التي طلع بها الإمام الصادق سلام الله عليه قد ظهرت أهميتها في القرن السابع عشر الميلادي... .
* وللإمام الصادق سلام الله عليه حكم وكلمات قصار شاعت بين الناس، وتقبلتها أقوام كثيرة قبولاً حسناً، بل منهم من رواها دون أن يفطن إلى واضعها ومنشئها.
ومن الحكم التي ساقها الإمام الصادق سلام الله عليه قوله مثلاً: ((الإنسان إذا مرض أو وجع عرف نفسه)). ولئن قال الصادق سلام الله عليه هذه الحكمة في المدينة، فقد شاعت عند أمم كثيرة في آسيا وأفريقيا وأوروبا ثم أمريكا، ومن سمعها عرف أن قائلها أصاب كبد الحقيقة. وها نحن في عصرنا هذا نرى العالم النفسي الكندي (مارشال ماك لوهان) يعد هذه الحكمة من قوانين علم النفس... .
* وفي التاريخ الإسلامي أن الإمام الصادق سلام الله عليه كان أول عالم تحدث عن الفيزياء والكيمياء، وهو في نفس الوقت يعدّ في طليعة العرفاء والزهاد.
* وكان الصادق سلام الله عليه أول عالم وخبير في العلوم التجريبية في الإسلام، وهو أول عالم جمع بين النظرية والتجربة العملية، ولم يكن يقبل أو يؤيّد نظرية في الفيزياء والكيمياء إلاّ بعد التحقق منها بنفسه في التجربة العملية والاختبار... .
* وكانت مدرسة الإمام الصادق سلام الله عليه في الطب أول مدرسة تؤسس في الإسلام في شبه الجزيرة العربية... .

من معالم مدرسة الإمام الصادق سلام الله عليه

* أسدى الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه خدمة للشيعة من ناحيتين، أولاهما أنه أهتم بتعليم أتباعه اهتماماً كبيراً، ولم يقتصر على العلوم القرآنية، بل أضاف إليها علوماً زمنية مثل الرياضيات والفيزياء والجغرافيا والنجوم والهيئة والحكمة. وتخرّج على يديه ومن مدرسته عدد غير قليل من أفذاذ العلماء. ومن هنا يصح القول بأن الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه بنى الثقافة الشيعية وأوضح معالمها.
* أما التنظيم الثقافي الذي أبدعه الإمام الصادق سلام الله عليه، فقد كان بحق أكاديمية للبحث العلمي الحر، ولاسيما في الأمور الفكرية، كما ولابد من التأكيد هنا بأن حرية البحث والفكر في مدرسة الإمام الصادق سلام الله عليه لم تتوافر في أي مدرسة دينية سواها.
* تميّزت مدرسة الإمام الصادق سلام الله عليه على المذاهب الأخرى في عصره بحرية الرأي والبحث فكان ذلك من أهم أسباب انتشار المعارف الجعفرية وذيوعها.
*... وقد سبق الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه جميع المدارس الدينية عندما قرر، ولأول مرة في تاريخ الأديان والأمم تدريس علوم الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات والهندسة والميكانيكا والطب والصيدلة، فكانت غريبة عن المدارس الدينية المسيحية، وظلت مجهولة منها طوال العصور الوسطى. إضافة إلى الفلسفة، جنباً إلى جنب مع العلوم القرآنية والفقه الإسلامي.
* وقد تولى الإمام الصادق سلام الله عليه بنفسه تدريس هذه العلوم، ولم يستبعد منها الفلسفة أو الحكمة أو العرفان، لأن هذه العلوم كانت تمثل المبادئ والمجادلات التي يستعان بها في إثبات حقيقة الله تعالى والكون... .

نقد التاريخ عند الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه

* وفي التاريخ الإسلامي يعتبر الإمام الصادق سلام الله عليه أول من نظّر في الروايات والتاريخ بعين النقد والتمحيص، فكان بذلك قدوة وإماماً ومرشداً لإمام المؤرخين ابن جرير الطبري.
* وكان ديدن الإمام الصادق سلام الله عليه في الحكم على كتب التاريخ وفي التشجيع على كتابتها، إجتناب الأكاذيب والأساطير التي يرفضها العقل السليم.
* ولا ريب في أن الفضل يُعزى إلى الإمام الصادق سلام الله عليه في وضع أساس المنهج النقدي في التاريخ الإسلامي، بدعوته العلمية إلى نقد التاريخ وتخليصه من الأساطير والأباطيل.

الأدب عند الإمام الصادق سلام الله عليه

* ولا نعرف في تاريخ الأديان في العالم مذهباً أو ديناً اهتم إلى جانب أمور العقيدة بأمور الأدب والعلم اهتمام المذهب الجعفري بهما. بل بلغ الاهتمام بالأدب في مدرسة الإمام[ جعفر الصادق سلام الله عليه مبلغاً جعل الباحثين يتساءلون أيّهما كان الأهم عند الإمام: الأدب أم المذهب، والعلم أم الأدب؟
* وكان من رأي الإمام الصادق سلام الله عليه أن العلم والأدب يعمّقان إيمان المؤمن، وأن قيمة كل أمرئ ما يحسنه. وكان يقول إن إيمان العالم أعمق من إيمان العاميّ، وإن العامّي لن يعرف حدود إيمانه، ومبدأه ومنتهاه، ولن يعلم من التغيير والتبديل إلاّ إذا تعلّم وأصبح إيمانه إيمان علم ووعي وفهم وإدراك.
* وتعريف الأدب عند الإمام الصادق سلام الله عليه تعريف فريد ليس له مثيل. فهو يقول إن الأدب هو لباس العلم والفكر الذي يقرّبهما من فهم السامع والقارئ، وبهذا التعريف وضع الأدب في موضعه الحقيقي، دون أن ينتقص من منزلة العلم والفكر.
... فلو لا مدرسة الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه ولو لا تشجيعه الشخصي لجميع جوانب العلم والأدب، لما ازدهرت العلوم في العالم الإسلامي في القرنين الثالث والرابع للهجرة، وأن الذين ينسبون إلى الخلفاء العباسيين فضلاً في الازدهار الذي عرفته العلوم في العالم الإسلامي آنذاك، يخطئون في تقديرهم وحكمهم، لأن الخلفاء العباسيين الأوائل كان همهم الشاغل توطيد أركان حكمهم والقضاء على الأمويين وخصومهم، أما الخلفاء الذين أتوا من بعدهم، فلم يُعرف عنهم إلا الانغماس في الملذات والفسق والشراب ومجالس اللهو واللعب.